إذن خلقنا للعمل بطاعة الله على نور الله، رجاء ثواب الله، وأن نترك ما نهى الله عنه، خشية عقابه.
لقد أصبحت حالة شعوب العالم العربي والإسلامي بالمسمى فقط يرثى لها بسبب البعد عن الله وغلبة حب الدنيا والملذات، وأعداء الإسلام يتربصون بنا الدوائر، بفعل انغماسنا في هذه الأشياء العابرة.
لذا ارتأيت أن أوضح للقارئ الكريم عبر هذه الأسطر الأبعاد الاجتماعية للتصوف الإسلامي الصحيح إذن فما هي هذه الأبعاد؟
تعتبر الطريقة الصوفية مدرسة دينية مجالها الحيوي البعد الاجتماعي المؤسس على الصدق والإخلاص والاستغراق في التوحيد الخالص لهداية الناس والأخذ بأيديهم إلى رحاب التقوى والعمل الصالح الذي يرضى عنه الله و رسوله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تكون طريقة الوصول جامعة متخصصة في إعادة المجتمع إلى الفطرة السليمة المفعمة بالتوحيد الخالص لله عز وجل وإرادة الخير للغير الذي لا يتم إيمان المؤمن إلا به كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ولما كانت الطريقة الصوفية مدرسة اجتماعية تحث على السعي في مصالح الناس و تأليف القلوب على الإسلام بالإطعام والإكرام، ومقابلة الإساءة بالإحسان إنصافا للنفس وإنصافا للمجتمع، وإيثار الغير على النفس في أداء الحقوق والواجبات، فهي أي الطريقة الصوفية كغيرها من المدارس لها تنظيم هرمي يوجد في أعلاه شيخ الطريقة وبعده عموم المريدين، ولكل منهم وظيفته الخاصة كتقديم الماء أو الطعام أو القيام بتنظيف الإقامة وهي الزاوية وتبخيرها فعموم المريدين يقوم كل واحد منهم بخدمة جلية للزاوية ويتحمل كل واحد من هؤلاء جميعا مسؤولية المحافظة على الطريقة بدءا بوجوب الارتباط الروحي لمريدي التصوف بشيخ عارف بطريقة التربية، وهو المسمى في العرف الصوفي بشيخ التربية أو شيخ الطريقة الذي يعد حلقة وصل في السند الصوفي المحقق للامتداد الإحساني المتدفق من طريق الله بين المرشد الأدنى وهو شيخ التربية والمرشد الروحي وهو قدوتنا وإسوتنا النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمحافظة على الطريقة كما أسلفا وصيانتها مصلحة عليا لا يعفى منها مريد إلا بعذر، حتى أن التعليمات الصوفية تعني أن المريد الصادق هو الذي يجعل نفسه عين الطريقة، ومن الروح الإجتماعية كذلك لسلوك المريد الصوفية أن يضطلع بالمسؤولية بإعتبارها تكليف قبل أن تكون تشريف بواجب الترفع عن طلب الرئاسة وحب الصدارة حتى صار من مضرب الأمثال عند الصوفية قولهم " آخر من يخرج من قلوب المخلصين حب الرئاسة" وهو ما اقتضى من شيوخ التصوف تنبيه مريديهم على التخلص من هذه الآفة، وبهذه الروح الاجتماعية يتبين لنا أن التصوف من منظور موضوعي يتجسم فيه طريق العمل بقواعد ثلاث خدمة الفرد نفسه- خدمة الجماعة- خدمة تنظيم المجتمع.
إن عماد طريقة الوصول إلى الله هو الإجتماع على العمل الصالح ومجاهدة النفس في الله مع المرشد والمريدين وكافة أطياف المجتمع الإسلامي، وقد عبر مشايخ التربية عن أهمية الإجتماع بكونه سر نجاح المريد في طريق الله وهو ما يؤكد تكريس التصوف لبديهة مقولة " الإنسان مدني بطبعه" علاوة على أن هذه الفعالية الإجتماعية المعروفة بالاجتماع في شكليه العام والخاص يمكن المريد من جني ثمار يانعة بفعل لقائه في الله بعباد الله الذاكرين ومنها تنقية ما في قلبه من الشوائب وتربيته على الصفاء والوفاء والتعلق بالواحد القهار وبالتالي تهيئته للترقية في الإيمان واليقين، وكذلك يؤكد شيوخ التربية أن للإجتماع مباهج ومدارج ومعارج يدركها الذاكر بتشبعه لحسن الإستماع وصدق الإتباع والحرص على الانتفاع وهي مواصفات كفيلة بأن يجمع لصاحبها بين الإرتفاع في الحال والمقام والإقلاع عما لا يعني ولا يغني نفعا، والقدرة على التوفيق بين الإستفادة والإفادة، وهكذا يكون الصوفي بفضل المثابرة على الإجتماع ودوام الانتفاع بما فيه من ذكر خاشع وفكر جامع وتذوق للحقائق الكامنة في تطبيق الشريعة على منهج النبي صلى الله عليه وسلم بإقتداء وحسن إتباع وبذلك يكون الصوفي عنصر إشعاع ووعاء للعلم النافع وموطنا صالحا ومصلحا في المجتمع، فالجانب الإجتماعي للتصوف الإسلامي لا يمكن أن نحيط به في هذه الأسطر، ومن أراد التشبع والإستزادة من هذه المعاني فعليه بمراجعة أمهات كتب التصوف الإسلامي مثل الإحياء للغزالي، وعوارف المعارف للسهروردي، والمنح القدسية للشيخ أحمد بن العلاوي المستغانمي، والموسوعة الصوفية الشهيرة "بالفتوحات المكية" للشيخ محي الدين بن العربي، وغيرها من الكتب الكثيرة التي تبحث في هذا الصدد.
ونستنتج في الأخير أن التصوف ثروة حضارية زاخرة، وروافد إجتماعية بالغة الأثر في حياة الأسرة والمجتمعات، ذلك أن طريقة الوصول هي ثروة روحية وفكرة لا حدود لها ومنهاج حياتي فريد يستمد مشروعيته من الوحي الإلهي والهدي النبوي، ويستند في مرجعيته العلمية إلى سلوك العارفين بالله وعطاءاتهم الإجتماعية، والتحلي بأخلاق الدين الإسلامي الحنيف في بعده الحضاري الواسع، فعماد التصوف الإسلامي التأديب والتهذيب وتطهير الروح وتصفية النفس والتحلي بالفضائل.
بقلم محمد المصطفى ولد البشير؛ باحث في التصوف الإسلامي
المصدر: موقع كرمسين اينفو
بتاريخ: الأربعاء, 27 فبراير 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق