ولد حمديت : بدأت مسار التدريس معلما في بوكي وعمري 16 سنة |
في الحلقة الثالثة من مقابلته مع السراج يتحدث الأستاذ محمد لكبيد ولد حمديت عن رحلته مع التدريس وبداياته مدرسا للعربية في بوغى وهو شاب لا يتجاوز عمره 16 سنة، كما يستعرض جانبا من رحلته إلى مصر والتي استغرقت ثمان سنوات.
السراج : لنواصل ، مكثتم عدة أيام في انتظار بامامادو الحسن ماذا حصل بعد ذلك؟
محمد لكبيد : في اليوم الثاني أو الثالث بعد وصولنا،جاء المفتش بامامادو الحسن وجمعنا في فضاء عام حيث لا توجد مكاتب وقال لنا إننا سنتوجه إلى مدارس في " لكصور" أي القرى، لكن نظرا لوضعية السيول فلن نتمكن من الوصول إليها إلا بعد أن تتراجع حدة السيل، وهو ما قد يستغرق ثلاثة أشهر وطلب منا أن نتوزع على مدارس مدينة بوغي إلى حين انتقالنا إلى مدارسنا الأخرى، وحولت أنا إلى مدير المدرسة رقم 1 حينها واسمه محمدو تب من أهل كيفة، وهو معلم فرنسي متخرج من " سبخ تان" في السنغال، وحولني هذا المدير مساعدا للمعلم عبد الله جاه، وقد أصبح بعد ذلك مديرا للدروس في ثانوية سيلبابي، وقد كنا حينها معلمين متدربين نقوم بتعويض غياب المعلمين الأصليين.
وبعد ثلاثة أشهر، وبعد أن تراجع السيل جمعنا الحاكم وأمتعتنا في " فالوكة" سفينة صغيرة جدا ونقلنا إلى المدارس وكنت أنا وزميلاي الاثنان في مدراس متقاربة، ولما وصلنا إلى القرية أرسلنا أحدنا إلى شيخ قرية دار البركة واسمه كان أليمان، وهو والد وزير سابق في حكومة المختار ولد داداه ورئيس سابق للاتحاد الدولي للشغل، وقد رحب بنا هذا الوجيه غاية الترحيب وأكرمنا إكراما مميزا ثم وزعنا على مدارسنا وأرسل مع كل واحد منا أحد أبنائه لتوصيله.
السراج : كيف عاش الشاب القادم من منطقة لبيرات مع مجتمع جديد في الضفة؟
محمد لكبيد : أتعجب اليوم من الشباب إنهم يتميزون بالكسل وانعدام حس التضحية والمغامرة، لقد مكتث هنالك فترة كأي معلم طبيعي، وصلت إلى الحي الذي سأدرس فيه رفقة الشاب سليمان ابن شيخ قرية دار البركة، وقد خاطب السكان قائلا " هذا الرجل موظف للدولة، لكنه ضيف عليكم، وعليه أن لا يتكلف أي شيئ غير الشاي والصابون.
السراج : كم كان عمرك حينها؟
محمد لكبيد : كان عمري 16 سنة حينها، وبقيت بشكل أسبوعي ألتقي أنا وزميلاي، وطيلة سبعة أشهر لم أغادر تلك المنطقة، حتى نهاية السنة، حيث ذهبت إلى مدينة "اندر" لتقاضي راتبي وكان الأمر سلسا جدا حيث كنا نحصل على رواتب أشهر العطلة بشكل مسبق، وبعدها عدت إلى الأهل.
السراج : كم مكثتم في الضفة؟
محمد لكبيد : مكثت سنة دراسية واحدة، وبعد العودة ذهب الوالد رحمه الله إلى الأمير احبيب ولد أحمد سالم رحمه الله، فقال له : ستفتح مدرسة في "الخوارة" وسيكون محمد لكبيد معلمها، وحصل ذلك بالفعل، ولا تزال كتابتي الآن على أطلال مدرسة "الخوارة"، فقد كتبت عليها بخط عريض عبارة " مدرسة الخوارة".
وقد كان أول من اكتبت حينها عبد الله ولد امسيد، وهو الآن مفتش جمارك على ما أسمع، وكذلك عابدين ولد التقي الذي أًصبح بعد ذلك محاميا ومستشارا للرئيس الحالي.
وأذكر أنني سألت حينها عابدين وهو فتى ابن 13 سنة يتعاطى "لغن" بشكل سلس، فقلت له : ما اسمك قال : عابدين ولد التقي : قلت ما اسم أبيك : قال بكار ولد التقي قلت له وأمك قال : آمنة بنت التقي قلت : لا تقبل الله منكم".
وكنت أذكره بها بعد ذلك عندما أًصبح أستاذا، وقد مكتث في "الخوارة" سنة وثلاثة أشهر.
لكن أذكر من الطرائف أو الغرائب حينها أن مدرسي الفرنسية كانوا تلاميذ السنة السادسة الراسبين في امتحان دخول السنة الأولى إعدادية، وكان من الغرائب أن ذلك التلميذ الراسب هو المدير، والمعلم الحاصل على الإعدادية يدرس أربع ساعات فيما يدرس المدير التلميذ وقتا أكثر ويتقاضى راتبا أقل من راتب المعلم، حيث أحصل حينها على 4500 شهريا بينما يحصل هو على 2800 أوقية وهذا قمة الاضطراب.
السراج : في منطقة الخوارة مدرسة شهيرة للأدب الحساني؟
محمد لكبيد : دون شك كانت مشتهرة بالأدب الحساني بسبب مجموعات " لحراكات ومجموعة لغلال خصوصا أهل محمد آسكر وأهل حيمده وغيرهم وقد كانت الحياة هنالك بسيطة فلم يكن المال كثيرا ولا كانوا يبحثون عنه، وكان لهم قصب السبق واليد الطولي في الأدب الحساني وكان فيهم شعراء، لكن أثرهم في الحسانية كان أوضح وأبرز.
السراج : متى حولت عن الخوارة؟
محمد لكبيد : حولت إلى روصو بعد أن جاءتني بعثة تفتيش مكونة من الإعلامي محمدن ولد المختار ولد حامد رحمه الله تعالى، والداه ولد الرباني وعبدو ولد أحمد وقد قررت تحويلي إلى روصو لتدريس السنة السادسة، وكان من بين من درستهم حينها الشيخ ولد خيري وقد أصبح بعد ذلك شيخ تربية وزعيما صوفيا في برينة على ما أظن، ومحمد سعيد ولد الشيباني وأصبح فيما بعد من كبار ضباط الجيش الوطني، وكان مدير المدرسة حينها رجلا طيبا هو صال كريدور وهو أمين عام سابق لأحد الوزارات وهو الآن رئيس آباء التلاميذ في مقاطعة تفرغ زينة، وبعد أشهر شاركت في مسابقة للدراسة في القاهرة، ونجحت وكان المدير حينها يقول : هل تحب أن تمكث ثمان سنوات عن موريتانيا قلت وأكثر من ذلك، وقد نجح حينها 30 طالبا من بينهم 8 أشقاء.
ولابد أن أذكر أن هذه المنح كانت هدية من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بعد مؤتمر الوحدة الإفريقية، ولقاء الرئيس المختار ولد داداه والزعيم المصري جمال الذي أعجب بمواقف المختار وأهداه تلك المنح في وقت لم تكن قد اعترفت بموريتانيا أي دولة غير تونس.
وعند حصولنا على المنح انتظرنا وصول التذاكر من مصر، قبل أن ينتقل مدير التعليم دواهي ولد محمد السالك إلى مصر ليأتي بالتذاكر، وأقام لنا وزير التعليم حينها الحضرامي ولد خطري حفل وداع رائع في المطار، وممما يؤسف له أن الطلاب يفتقدون اليوم ذلك التكريم المستحق.
وقد واجهت الوفد أولا مشكلة هي أن الدولة قررت صرف إعانات للطلاب الموظفين دون غيرهم، لكن الحضرامي قرر تقسيم المبالغ بين الطلاب جميعا وحصل كل طالب على 5000 آلاف أوقية.
وكانت مجموعة الطلاب تواجه أول سفر لها إلى الخارج تعكس مظاهر غير مدنية بعض الشيئ، فأحدنا كان يلبس قميصا غير لائق جدا قد احمر من جانب واسود من جانب آخر، وطالب آخر لما دخل الحمام وتلقى الماء الساخن خرج عاريا يصرخ " الكهرباء ..الكهرباء" وأذكر أن الدبلوماسي الفاضل أحمد ولد اجه وكان المستشار الأول بالسفارة لما علم بأننا سنمضى توقفا في باريس اتصل على المطار وضغط حتى أخروا الرحلة، وانتظرتنا الطائرة وكنا خمسين شابا ونجونا من "مشكل التبدي" الذي واجه الطلاب الكويتيين بعدنا، حينما جاءهم الصحفيون الفرنسيون وصوروهم باعتبارهم أشخاصا غير متمدنين.
ولقد عاملتنا السلطات المصرية حينها معاملة طيبة، حيث وجدنا باصات حكومية في استقبالنا وكنا موضع تكريم طوال الفترة، حيث تجولنا على حساب الدولة في رحلات سياحية ممتعة، كما منحونا منحة شهرين مقدما، لكنهم ارتبكوا في وضعنا التربوي، حيث إن بعضنا يحمل شهادة الكفاءة، وآخرين يحملون مستوى الباكلوريا وفينا علماء كبار مثل الشيخ محمد سالم ولد أبو المعالي والشيباني ولد محمد أحمد رحمه الله تعالى، والشيخ محمد المختار كاكيه ومحمد المصطفى ولد بدر الدين وولد أحمد الهادي.
المصدر بتصرف: السراج الاخباري
|